فصل: الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي السَّيْرِ: مِنْ أَوَّلِ الْخُرُوجِ إِلَى الْإِحْرَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين



.التَّطَوُّعُ بِالصِّيَامِ:

اعْلَمْ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الصَّوْمِ يَتَأَكَّدُ فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ، وَفَوَاضِلُ الْأَيَّامِ بَعْضُهَا يُوجَدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَبَعْضُهَا يُوجَدُ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَبَعْضُهَا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ.
أَمَّا السَّنَةُ فَبَعْدَ أَيَّامِ رَمَضَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ صَوْمَ شَعْبَانَ. وَفِي الْخَبَرِ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ» لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ فَبِنَاؤُهَا عَلَى الْخَيْرِ أَحَبُّ وَأَرْجَى لِدَوَامِ بَرَكَتِهِ. وَفِي الْخَبَرِ: «إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا صَوْمَ حَتَّى رَمَضَانَ» وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ رَمَضَانَ أَيَّامًا، فَإِنْ وَصَلَ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ فَجَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ اسْتِقْبَالَ رَمَضَانَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ وِرْدًا لَهُ. وَكَرِهَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يُصَامَ رَجَبٌ كُلُّهُ حَتَّى لَا يُضَاهَى بِشَهْرِ رَمَضَانَ.
وَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّهْرِ فَأَوَّلُ الشَّهْرِ وَأَوْسَطُهُ وَآخِرُهُ، وَوَسَطُهُ الْأَيَّامُ الْبِيضُ وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ.
وَأَمَّا فِي الْأُسْبُوعِ فَالِاثْنَيْنُ وَالْخَمِيسُ وَالْجُمُعَةُ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الصِّيَامُ وَتَكْثِيرُ الْخَيْرَاتِ لِتَضَاعُفِ أُجُورِهَا بِبَرَكَةِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ.
وَإِذَا ظَهَرَتْ أَوْقَاتُ الْفَضِيلَةِ فَالْكَمَالُ فِي أَنْ يَفْهَمَ الْإِنْسَانُ مَعْنَى الصَّوْمِ وَأَنَّ سِرَّهُ تَصْفِيَةُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ الْهَمِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

.كِتَابُ أَسْرَارِ الْحَجِّ:

جَعَلَ اللَّهُ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَأَكْرَمَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا وَتَحْصِينًا وَمَنًّا، وَجَعَلَ زِيَارَتَهُ وَالطَّوَافَ بِهِ حِجَابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْعَذَابِ وَمِجَنًّا. وَالْحَجُّ مِنْ بَيْنِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ عِبَادَةُ الْعُمْرِ وَتَمَامُ الْإِسْلَامِ وَكَمَالُ الدِّينِ، وَأَجْدَرُ بِهَا أَنْ تُصْرَفَ الْعِنَايَةُ إِلَى شَرْحِهَا وَتَفْصِيلِ أَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا وَفَضَائِلِهَا وَأَسْرَارِهَا.

.الْبَابُ الْأَوَّلُ: فَضَائِلُ الْحَجِّ وَفَضِيلَةُ الْبَيْتِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَشَدِّ الرِّحَالِ إِلَى الْمَسْجِدِ:

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الْحَجِّ: 27] قَالَ قتادة: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ نَادَى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَنَى بَيْتًا فَحُجُّوهُ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَيُرْوَى: «إِنَّ الْكَعْبَةَ تُحْشَرُ كَالْعَرُوسِ الْمَزْفُوفَةِ، وَكُلُّ مَنْ حَجَّهَا مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِهَا يَسْعَوْنَ حَوْلَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ».
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَذَلِكَ كَلُّ حَسَنَةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ.
وَيُقَالُ: إِنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ بِهَا كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ. وَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَقَالَ: «إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ لَمَا خَرَجْتُ».
وَمَا بَعْدَ مَكَّةَ بُقْعَةٌ أَفْضَلَ مِنْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالْأَعْمَالُ فِيهَا أَيْضًا مُضَاعَفَةٌ.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَبَعْدَ مَدِينَتِهِ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْبِقَاعِ الثَّلَاثِ فَالْمَوَاضِعُ فِيهَا مُتَسَاوِيَةٌ إِلَّا الثُّغُورَ فَإِنَّ الْمُقَامَ بِهَا لِلْمُرَابَطَةِ فِيهَا فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بَعْدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مُتَمَاثِلَةٌ، وَلَا بَلَدَ إِلَّا وَفِيهِ مَسْجِدٌ فَلَا مَعْنَى لِلرِّحْلَةِ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.

.شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَصِحَّةُ أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتُهُ وَمَحْظُورَاتُهُ:

أَمَّا الشَّرَائِطُ: فَشَرْطُ صِحَّةِ الْحَجِّ اثْنَانِ: الْوَقْتُ وَالْإِسْلَامُ، فَيَصِحُّ حَجُّ الصَّبِيِّ وَيُحْرِمُ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَيُحْرِمُ عَنْهُ وَلَيُّهُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَيَفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ فِي الْحَجِّ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْوَقْتُ فَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَهِيَ عُمْرَةٌ، وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتُ الْعُمْرَةِ.
وَأَمَّا شُرُوطُ وُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْوَقْتُ.
وَأَمَّا شَرْطُ لُزُومِهِ: فَالِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمُبَاشَرَةُ وَذَلِكَ لَهُ أَسْبَابٌ:
أَمَّا فِي نَفْسِهِ فَبِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا فِي الطَّرِيقِ فَبِأَنْ تَكُونَ خِصْبَةً آمِنَةً بِلَا بَحْرٍ مُخْطِرٍ وَلَا عَدُوٍّ قَاهِرٍ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَبِأَنْ يَجِدَ نَفَقَةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ إِلَى وَطَنِهِ، وَأَنْ يَمْلِكَ نَفَقَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَأَنْ يَمْلِكَ مَا يَقْضِي بِهِ دُيُونَهُ، وَأَنْ يَقْدِرَ عَلَى رَاحِلَةٍ أَوْ كِرَائِهَا بِمَحْمَلٍ أَوْ زَامِلَةٍ إِنِ اسْتَمْسَكَ عَلَى الزَّامِلَةِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: فَاسْتِطَاعَةُ الْمَعْضُوبِ بِمَالِهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَجِيرِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِنَفْسِهِ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَهُ التَّأْخِيرُ وَلَكِنَّهُ فِيهِ عَلَى خَطَرٍ، فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ وَلَوْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْحَجِّ، وَكَانَ الْحَجُّ فِي تَرِكَتِهِ يُحَجُّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ كَسَائِرِ دُيُونِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ مَعَ الْيَسَارِ فَأَمْرُهُ شَدِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي الْأَمْصَارِ بِضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ مِمَّنْ يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ومجاهد وَطَاوُسٍ: لَوْ عَلِمْتُ رَجُلًا غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ.
وَبَعْضُهُمْ كَانَ لَهُ جَارٌ مُوسِرٌ فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْأَرْكَانُ الَّتِي لَا يَصِحُّ الْحَجُّ دُونَهَا فَخَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ بَعْدَهُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالْحَلْقُ عَلَى قَوْلٍ. وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ كَذَلِكَ إِلَّا الْوُقُوفَ.
وَأَمَّا وُجُوهُ أَدَاءِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: الْإِفْرَادُ وَذَلِكَ أَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَّ وَحْدَهُ فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ وَاعْتَمَرَ.
الثَّانِي: الْقِرَانُ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ فَيَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَيَصِيرَ مُحْرِمًا بِهِمَا وَيَكْفِيهِ أَعْمَالُ الْحَجِّ، وَتَنْدَرِجُ الْعُمْرَةُ تَحْتَ الْحَجِّ، وَعَلَى الْقَارِنِ دَمُ شَاةٍ إِلَّا الْمَكِّيَّ.
الثَّالِثُ: التَّمَتُّعُ وَهُوَ أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ وَيَتَحَلَّلَ بِمَكَّةَ وَيَتَمَتَّعَ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَى وَقْتِ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَيَلْزَمُهُ دَمُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ مُتَتَابِعَةٍ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى الْوَطَنِ.
وَأَمَّا مَحْظُورَاتُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَسِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ: اللُّبْسُ لِلْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ وَالْعِمَامَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ إِزَارًا وَرِدَاءً وَنَعْلَيْنِ، وَلَا بَأْسَ بِالْمِنْطَقَةِ وَالِاسْتِظْلَالِ فِي الْمَحْمَلِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ كُلَّ مَخِيطٍ بَعْدَ أَنْ لَا تَسْتُرَ وَجْهَهَا بِمَا يُمَاسُّهُ فَإِنَّ إِحْرَامَهَا فِي وَجْهِهَا.
الثَّانِي: الطِّيبُ فَلْيَجْتَنِبْ كُلَّ مَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ طِيبًا، فَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ.
الثَّالِثُ: الْحَلْقُ وَالْقَلْمُ وَفِيهِمَا الْفِدْيَةُ أَعْنِي دَمَ شَاةٍ، وَلَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ وَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَتَرْجِيلِ الشَّعَرِ.
الرَّابِعُ: الْجِمَاعُ، وَهُوَ مُفْسِدٌ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سَبْعُ شِيَاهٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ لَزِمَهُ الْبَدَنَةُ وَلَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ.
الْخَامِسُ: مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَفِيهِ شَاةٌ، وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ وَالْإِنْكَاحُ وَلَا دَمَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ.
السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ أَعْنِي مَا يُؤْكَلُ، فَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ يُرَاعَى فِيهِ التَّقَارُبُ فِي الْخِلْقَةِ، وَصَيْدُ الْبَحْرِ حَلَالٌ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ.

.الْبَابُ الثَّانِي: تَرْتِيبُ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْ أَوَّلِ السَّفَرِ إِلَى الرُّجُوعِ:

وَهِيَ عَشْرُ جُمَلٍ:

.الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي السَّيْرِ: مِنْ أَوَّلِ الْخُرُوجِ إِلَى الْإِحْرَامِ:

وَفِيهَا مَسَائِلُ:
الْأُولَى فِي الْمَالِ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَإِعْدَادِ النَّفَقَةِ لِكُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِلَى وَقْتِ الرُّجُوعِ، وَيَرُدَّ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْوَدَائِعِ، وَيَسْتَصْحِبَ مِنَ الْمَالِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ مَا يَكْفِيهِ لِذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ بَلْ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُهُ مَعَهُ التَّوَسُّعُ فِي الزَّادِ وَالرِّفْقُ بِالضُّعَفَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَيَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَإِنِ اكْتَرَى فَلْيُظْهِرْ لِلْمُكَارِي كُلَّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لِيَحْصُلَ رِضَاهُ فِيهِ.
الثَّانِيَةُ فِي الرَّفِيقِ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَ رَفِيقًا صَالِحًا مُحِبًّا لِلْخَيْرِ مُعِينًا عَلَيْهِ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَإِنْ جَبُنَ شَجَّعَهُ، وَإِنْ عَجَزَ قَوَّاهُ، وَإِنْ ضَاقَ صَدْرُهُ صَبَّرَهُ، وَيُوَدِّعَ رُفَقَاءَهُ الْمُقِيمِينَ وَإِخْوَانَهُ وَجِيرَانَهُ، فَيُوَدِّعُهُمْ وَيَلْتَمِسُ أَدْعِيَتَهُمْ. وَالسُّنَّةُ فِي الْوَدَاعِ أَنْ يَقُولَ: «أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ».
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ: «فِي حِفْظِ اللَّهِ وَكَنَفِهِ، زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَوَجَّهَكَ الْخَيْرَ أَيْنَمَا كُنْتَ».
الثَّالِثَةُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الدَّارِ: يَنْبَغِي إِذَا هَمَّ بِالْخُرُوجِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَرَغَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا اللَّهَ عَنْ إِخْلَاصٍ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْحَابِ، احْفَظْنَا وَإِيَّاهُمْ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَاهَةٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي مَسِيرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ».
الرَّابِعَةُ: إِذَا حَصَلَ عَلَى بَابِ الدَّارِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ، اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً بَلْ خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ وَقَضَاءَ فَرْضِكَ وَاتِّبَاعَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ.
الْخَامِسَةُ فِي الرُّكُوبِ: فَإِذَا رَكِبَ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزُّخْرُفِ: 13- 14].

.الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي آدَابِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ إِلَى دُخُولِ مَكَّةَ:

الْأَدَبُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَنْوِيَ بِهِ غُسْلَ الْإِحْرَامِ، أَعْنِي إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي يُحْرِمُ النَّاسُ مِنْهُ، وَيُتَمِّمَ غُسْلَهُ بِالتَّنْظِيفِ، وَيُسَرِّحَ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَيُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَسْتَكْمِلَ النَّظَافَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الطَّهَارَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يُفَارِقَ الثِّيَابَ الْمَخِيطَةَ وَيَلْبَسَ ثَوْبَيِ الْإِحْرَامِ فَيَرْتَدِيَ وَيَتَّزِرَ بِثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَيَتَطَيَّبَ فِي ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَصْبِرَ بَعْدَ لُبْسِ الثِّيَابِ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ إِنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ يَبْدَأَ بِالسَّيْرِ إِنْ كَانَ رَاجِلًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْوِي الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ قِرَانًا أَوْ إِفْرَادًا كَمَا أَرَادَ وَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ».
الرَّابِعُ: يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ التَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ خُصُوصًا عِنْدَ اصْطِدَامِ الرِّفَاقِ وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَعِنْدَ كُلِّ صُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَعِنْدَ كُلِّ رُكُوبٍ وَنُزُولٍ رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ بِحَيْثُ لَا يُبَحُّ حَلْقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَادِي أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ؛ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَبَهُ شَيْءٌ قَالَ: «لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ».

.الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي آدَابِ دُخُولِ مَكَّةَ إِلَى الطَّوَافِ:

يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِذِي طُوًى، وَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَدَارُكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ اللَّهُمَّ فَزِدْهُ تَعْظِيمًا، وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَزِدْهُ مَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ حَجَّهُ بِرًّا وَكَرَامَةً، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَأَدْخِلْنِي جَنَّتَكَ وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ثُمَّ لَا يُعَرِّجُ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الطَّوَافِ- وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ- إِلَّا أَنْ يَجِدَ النَّاسَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَيُصَلِّيَ مَعَهُمْ ثُمَّ يَطُوفُ.